إنها عدن توأم القدس
بقلم: إسراء عبد العليم
سمعت عنها من السفير " عباس زكي" أكثر من سماعي عنها من والدي الذي عاش فيها كضيف عسكري مسلح، إنها عدن توأم القدس، في المقاومة والنضال، اكتب اليوم تفاصيل التوأمة والشاهد في التشابه.
فلسطين فقدت عرفاتها رجل السلام والبندقية، وعدن التي كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مخزن سلاح للمقاومة الفلسطينية ومعسكر كبير لنشاما منظمة التحرير الفلسطينية، مازالت تزخر بعرفاتها عيدروس.
حتى وقت قريب كانت عدن عاصمة دولة اليمن الجنوبي، سأتجنب الحديث كيف دخلت في وحدة إندماجية مع دولة اليمن الشمالي عام 1990م، سأغلق الباب على هذا الحدث بفاصلة وسؤال؛ لماذا قبلت عدن ان تكون ضحية أمل الوحدة العربية الذي أوسعها ألما وألقاها في غيابة ضياع؟
وعلى ذكر الضياع، مرت القدس، بوعد بلفور المشؤوم وبالنكبة والنكسة واوسلو، لكنها وعلى عكس عدن، ابقت لنفسها رمزيتها السياسية الفلسطينية والدينية ، فهل كان الثاني والعشرين من مايو 1990 ، يوم التوقيع على الوحدة بين دولة اليمن الجنوبي ودولة اليمن الشمالي، اسوأ من الثاني من نوفبمر 1917 م يوم التوقيع على وعد بلفور !!
اخذتني هذه التساؤلات في جولة إستقصائية مع دبلوماسيين فلسطينيين كانوا في بعثتنا بعدن ، وصدمت بالنتائج ، ولعل السبب والدافع الذي اثارني لكتابة هذا المقال ، هي واحدة من النتائج التي دونتها واعدت قراءتها اكثر من مرة على ضوء ما تشهده عدن هذه الايام من إستدارة نحو العودة الى وضعها السابق كعاصمة لدولة اليمن الجنوبي .. في اسبوع التجهيز لمراسيم التوقيع والاعلان عن الوحدة بين دولتين عربيتين - الجمهورية العربية اليمنية - " الشمالية " وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية "الجنوبية " اصرت القيادة الجنوبية ان لا يكون حفل التوقيع الا في قاعة تحمل اسم فلسطين، وأن لا يكون حاضراً وشاهداً على هذا الإعلان من القيادات والزعامات العربية سوى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فكان هو أول المهنئين والمباركين وكان هو أول المتحدثين أيضاً ! إذ تحدث بمشاعر فياضة واصفا تلك الوحدة التي وللاسف فشلت في القلوب وفي المنطق ، بأنها (اللحمة) ومعلناً في الوقت نفسه أن اليمن الموحد الجديد هو الشطر الآخر لفلسطين.
في تقديري، قالها " أبو عمار " على أمل أن يصبح اليمن الشمالي بذات الوحدة، كاليمن الجنوبي في القوة والبناء والتأثير على الصعيد الاقليمي، وسيكون لفلسطين ومنظمة تحريرها باليمن الموحد، ما كان لإسرائيل من المانيا الموحدة.
كان أبو عمار ذات نزعة قومية جياشة كزعماء اليمن الجنوبي، ربما اخذ طموحه بالوحدة اليمنية الى الاعتقاد بأن الصواريخ المضادة للطيران والتي ارسلتها دولة اليمن الجنوبي منتصف ثمانينات القرن الماضي ستتلوها من اليمن الموحد اسلحة تضاهي المريكافا الالمانية التي تدعم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي .. من حقه ان يخوض معترك فكرة خلاقة كهذه وفي ذات الضرف، لكن ليس من حق القيادات الجنوبية ان تصفق اكثر من الشمالية لخطاب " اللحمة " إذ كان بإمكانها حساب الكسب والخسارة بسهولة.
في عهد "عرفات أبو عمار" كانت التوجهات تصب في سياق وحدة الصف ومهام التحرير والفداء والاستعداد للتضحية. وكان كل خلاف ينخر الصف المقاوم، ويضعف الروح الباسلة، ويعيد المعركة باتجاه الداخل؛ هو محض خيانة، تستعصي على التبرير، وهذا هو الحال في عدن هذه الأيام، لقد دفن الناس نخبا وقيادات ومكونات وأحزاب " اللحمة " وخلافاتهم معا، ومضوا إلى بعضهم لتجسيد لحمة أخرى هي هويتهم وقضيتهم، أما فلسطين فقد فقدت الطريق إلى وحدة صفها بدفن بعض فصائلها مبادئ عرفات وقضية عرفات الشخص الزعيم الذي اغتيل مسموماً.